#الثائر
- أكرم كمال سريوي
جاء التنوخيون الى لبنان في القرن الثامن الميلادي في عهد الخليفة المنصور وسكنوا منطقة الغرب وبيروت، وكانت عاصمتهم في عبيه، ثم تبعهم المعنيون الى الشوف والشهابيون الى وادي التيم، وقويت الإمارة التنوخية بعد ان ساندت صلاح الدين في معركة حطين وامتد نفوذها الى عكا ودامت فترة طويلة من الزمن، وفي عام 1633 هاجم المعنيون (الدروز) بقيادة علي علم الدين أقرباءهم البحتريين في عبيه وقضوا على إمارتهم، وفي عام 1711 هاجم الدروز اليمنيون بمساعدة آل حرفوش الذين كانوا في بعلبك وبقيادة حيدر شهاب أقرباءهم الدروز القيسيين على غفلة وفتكوا بهم في معركة عين دارة، فقتلوا معظمهم وشردوا القسم الباقي وهجروهم الى وادي التيم وحوران، وخسروا بعدها الإمارة اللبنانية نهائياً وبدأ عهد الإمارة الشهابية.
وفي عام 1793 هجم بشير جنبلاط من بعذران على ابناء عمه نجم في المختارة وقتلهم وتحالف بعدها مع الامير بشير الشهابي الذي تمكن مع بعض الدروز من القضاء على القسم الآخر منهم من آل نكد وعماد وارسلان، ثم ما لبث الشهابي ان انقلب على جنبلاط وتعاون مع محمد علي وعبدالله باشا ودفع للأخير مبلغاً من المال حتى اعدم بشير جنبلاط.
وبعد زوال الشهابي عام 1840 عاد الدروز الى ديارهم التي كان قد استولى عليها الأمير، ووهب قسماً كبيراً منها للمسيحين فاشتبكوا معهم وحدثت المجازر، ثم تكرر الامر عام 1860، وأصبح لبنان متصرفية في قبضة الأتراك حتى الحرب العالمية الأولى، بحيث أصبح تحت الحكم الفرنسي الذي حجّم الدور الدرزي وجعل منهم فئة ثالثة في الحكم.
وخلال الانتداب اختلف اللبنانيون واستعانوا بالخارج لتسجيل انتصارات على بعضهم البعض بدل ان يتوحدوا في مواجهة المحتل، وباتوا يشحذون المكاسب والمناصب على بابه مما سهل عليه حكمهم، وطالبوه وتمسكوا بنظام طائفي اعتقدوا انه يحفظ لهم امتيازاتهم في مواجهة الأخصام وداخل هذه المذاهب التي سادها النظام القبلي والتعصب الأعمى، فبقيت إقطاعات خاصة يتوارثها الابناء عن الآباء والأجداد وكأنها قطعان تحتاج فقط الى راعٍ وكلب حراسة وممنوع فيها ان يخرج أحد على سلطة الامير او ينتقد سلوكه.
وبعد ان هدد ستالين الدول الأوروبية قُبيل انتهاء الحرب العالمية الثانية بانه سيبني قواعد عسكرية على الضفة الشرقية للمتوسط إذا لم يسحبوا جيوشهم من هذه الدول كان الجلاء، وحصلنا على الاستقلال واستمر الإقطاع المذهبي يغذي التعصب ويستخدم الدولة ليقدم الخدمات للأزلام والمحازبين، فيجعلهم أدوات يحركها الزعيم كيف ما يشاء فبنوا فيدرالية طائفية بدل الدولة، وحولوا الشعب ازلاماً بدل المواطنين وبقيوا يحكيون الدسائس ويحللون كل شيء في سبيل بقاء زعامتهم.
وعندما نادى بعض المثقفين بالثورة على هذا الواقع اتحدوا ضدهم فأعدموا انطون سعادة وأسقطوا كمال جنبلاط في انتخابات 1957 بعد ان دعا الى الغاء النظام الطائفي ثم اغتالوه مع بداية الحرب الأهلية لإسكات الداعين الى دولة علمانية.
وتابع كل زعيم التخلص من خصومه داخل الطائفة وشد العصب المذهبي، فتلاشت الأحزاب العلمانية وتحولت احزاب لبنان الى تجمعات مذهبية تسيّرها العواطف والغرائز بدل الأفكار التقدمية الوطنية وتتبع زعمائها بشكل اعمى.
وهكذا تحول لبنان الى شبه دولة لا يحكم إِلَّا بتوافق هذه الزعامات، ولا يُسمح لاحد من خارج هذا النادي ان يعترض او يخالف وإذا فعل أحد ذلك سيجدهم جميعاً في مواجهته إِلَّا إذا كان تابعاً لأحدهم، فيمكن ان يتكلم بقدر ما يسمح له وساعة يحددون ذلك .
لا امل في المدى المنظور بالخروج من هذا النفق ولا تبديل ولا تغيير فالعقدة ليست بوزير او نائب او رئيس فهذه أزمة حكم ونظام ترسّخ في الأذهان كعبادة الأصنام وبتنا نحتاج الى نبي منقذ في وقت انتهى فيه وجود الأنبياء.