#الثائر
- اكرم كمال سريوي
ليست المرة الاولى التي تعلن فيها وزارة المال ان ما لديها يكفي لثلاثة أشهر فقط لدفع الرواتب، كما ليست المرة الاولى التي يطالب فيها محمد شقير بوقف مفعول سلسلة الرتب والرواتب ، لكنها المرة الاولى التي يعلن فيها الوزير جبران باسيل عن اعجابه بالإجراءات الصربية بخفض الرواتب للخروج من الأزمة الاقتصادية، فهل حقاً لا يوجد امام الدولة اللبنانية سوى هذا الخيار؟
لقد أجرى حاكم مصرف لبنان هندسة مالية بحجة الحفاظ على سعر صرف الليرة ورفع احتياطه من العملات الأجنبية! فما حقيقة هذه الهندسة؟
عندما تقرأ عنها تجد نفسك وكأنك تفك رموزا وطلاسم بحيث تلتبس عليك الحقيقة وتضيع بين الأرقام، وهي ببساطة ان المصرف المركزي قام أولاً باستبدال سنداته لدى وزارة المالية التي هي بالليرة اللبنانية بسندات بالدولار وبقيمة ملياري دولار ثم باع هذه السندات الى المصارف المحلية.
وقدم لها هدية بحيث احتسب هذه السندات من الاحتياط المتوجب عليها وضعه لدى المصرف والذي يكون عادة مجمدا وبفائدة صفر بالمئة، وهذا ادى الى نتيجتين اولا سمح للمصارف بتوظيف احتياطها بفائدة 7 بالمئة، وثانياً ان هذا الاحتياط الذي كان المصرف المركزي قد أجاز للمصارف استعماله في قروض الإسكان قد نقص عملياً بنسبة ملياري دولار وتوقفت قروض الإسكان.
اما الخطوة الثانية في هندسة الحاكم تمثلت بإصدار شهادات ايداع وسندات بالدولار (يوروبوند) اكتتبت فيها المصارف لديه فبلغت قيمتها 13.961 مليار دولار، وفي المقابل اشترى المصرف المركزي بنفس هذه القيمة سندات من المصارف والتي هي بالليرة اللبنانية ولمدة 12 سنة، ودفع لهم فوائدها قبل استحقاقها، وهكذا تمكنت المصارف من استبدال السندات من الليرة الى الدولار وتقاضت الفوائد فخففت الضرر الذي يمكن ان يصيبها في حال انهيار الليرة وتمكنت من جني أرباح بلغت ٥،٦ مليار دولار.
وقد أصدرت مديرية الشؤون القانونية في مصرف لبنان تقريراً في آذار (مارس) 2017 اعتبرت فيه ان الحاكم خالف القانون، وان تكلفة هذه العملية قد تصل الى ١٥ مليار دولار وأنها جاءت في مصلحة المصارف.
وبالنتيجة أصبح الدين العام الذي تخطى في هذا الوقت عتبة 81,9 مليار دولار 62,6 بالمئة منه بالليرة اللبنانية وهي ديون داخلية و73,4 بالمئة بالعملات الأجنبية، والاهم ان حصة المصرف المركزي من الديون بالليرة ارتفعت الى 52 بالمئة، وانخفضت حصة المصارف منها الى 35 بالمئة وحصة القطاع غير المصرفي الى 14 بالمئة.
وخلاصة القول ان هذه الهندسة كانت في مصلحة المصارف وكبار المودعين بشكل كامل، وكل ما قيل عن فائدة للدولة يبقى عملاً دعائياً نفذه اقطاب هذا النظام الرأسمالي اللبناني المتفلّت من كل رقابة او قيود، وما زال أصحابه يرفضون الاشتراك في إنقاذ المالية العامة ويحاولون إلقاء اللوم والعبء على موظفي القطاع العام، لكن وقف رواتب الموظفين يعني بكل بساطة الثورة على هذه الطبقة التي هدرت وما زالت تهدر المال العام وتهدد الشعب اليوم بلقمة عيشه، لقد انفقت عشرين مليار دولار على الكهرباء دون ان يتم بناء المعامل التي لا تزيد كلفتها على خمسة مليارات وتدفع سنوياً 1,5 مليار ولا كهرباء، فهل يمكن لهذه السلطة إقناع الموظفين بالتخلي عن رواتبهم؟
حذار من غضب الشعب إذا جاع، فهو لن يرحل وسيكون عليكم أيها المستغلون الفاسدون الرحيل فأوراقكم وألاعيبكم مكشوفة.