#الثائر
- * " فادي غانم "
واجه لبنان في تاريخه القديم والحديث ما يصعب ويشقّ على بلد آخر في العالم تحمله، وظل واقفا، ثابتا، صامدا، عصيا على مطامع الدول والإمبراطوريات، واجه جيوشا وتصدى لغزوات ومؤامرات، وواجه أبناؤه القهر والجوع والموت، وعاد في كل مرة كما طائر الفينيق من رماد العدم.
أما ما يواجه لبنان اليوم فأصعب وأخطر، لأنه يتخطى أطماع الخارج، ويتمثل في كل ما تخطط له قواه السياسية، جلها أو بعضها، في السلطة وخارجها، فالاحتلالات زالت وتزول، لكن، وعلى سبيل المثال، ثمة "احتلال" من نوع آخر، فعدم القدرة على تشكيل حكومة مسألة وقت، يقصر أو يطول، فالحكومة ستشكل عاجلا أم آجلا، وأزماتنا الداخلية لن تظل قدرا وسيفا مسلطا على الرقاب، لكن ثمة ما هو أخطر يعد له "لاحتلالنا"!
إذا ما نظرنا إلى خطط وتوجهات المؤسسات المالية الدولية، ومن يقف وراءها، نجد أن الدول المستأثرة باقتصادات العالم "تحتل" الدول النامية والفقيرة، وما عادت ثمة ضرورة لاحتلال بلد ما، فيمكن احتلاله بمراكمة الديون، وبتوظيف توجهات "احتلالية"، فعلى سبيل المثال، نرى أن الدول العظمى تتخلى عن مشاريع السدود، وتقلص أعدادها، وما عادت تنظر إلى السدود السطحية على أنها "ترياق" يتيح لها تحقيق وفرة مائية، بعد أن تبينت حجم الأضرار الناجمة عنها، بينما نجد أن المؤسسات الدولية المالية تدعم بناء السدود في الدول النامية.
ما يهمنا في هذه اللحظة يتخطى السدود وأضرارها إلى المحارق، ويبدو أن الغرب يستعد لـ "احتلال" لبنان بمحارق النفايات ، ويتأكد ذلك من استعداده لتمويل مشاريع في لبنان، وثمة استثمارات تقدر بمئات الملايين من الدولارات، وفي مكان ما، نجد أن ثمة من يسهل اللجوء إلى خيار الحرق، من خلال إفشال مصانع الفرز، خصوصا وأن ثمة معامل متوقفة، وأي مطالبة باعتماد معالجة النفايات وفق ما تعتمده الدول المتقدمة لجهة الفرز من المصدر، والتخفيف وإعادة التدوير لم تلق أي تجاوب واهتمام.
ربما من يأتي ويقول إن الغرب لديه محارق، صحيح، لكنها جزء من منظومة متكاملة، تبدأ بالفرز وتعميم ثقافة تخفيف النفايات واستعادة ما يمكن تدويره، ويقدر الخبراء أن ما يحرق من النفايات لا يتعدى الـ 20 بالمئة، فيما ثمة 80 يالمئة يتم استعادتها وتدويرها، وتسعى الدول الأوروبية أيضا إلى تخفيف نسبة الحرق إلى أقل من 20 بالمئة.
في أوروبا ثمة قوانين وتشريعات واضحة غير منفصلة عن سياسة إدارة النفايات، وهناك معايير محددة وقائمة طويلة من الشروط الفنية والتقنية والمراقبة، فكيف سيكون حالنا في لبنان إذا استقدمت المحارق؟ وما هي الآثار البيئية والصحية؟ ومن يضمن الالتزام بشروط ومعايير السلامة؟
*الحاكم السابق لجمعية أندية الليونز الدولية – المنطقة 351 (لبنان، الأردن، العراق وفلسطين)
*رئيس " جمعية غدي "