#الثائر
انقطاع التيار الكهربائي واستمرار التقنين نتفهم أسبابه ومبرراته في دولة عاجزة عن مقاربة هذا الملف منذ نحو ثلاثين سنة، لكن ما استعصى علينا فهمه بالأمس لجوء أصحاب المولدات الخاصة إلى إغراق مناطق لبنانية عدة بالعتم، ولمن خانته الذاكرة نشير إلى أن إسرائيل منعت عن اللبنانيين الكهرباء، نعم إسرائيل، مرات كثيرة وعدت ونفذت، وأصحاب المولدات أيضا وعدوا ونفذوا، إسرائيل وعدت وقصفت محطتي الجمهور وبصاليم، وهم وعدوا و"قصفوا" هيبة الدولة.
جاء أصحاب المولدات الخاصة مع عجز الحكومات المتلاحقة منذ تسعينيات القرن الماضي، وكانوا جزءا من حل، فإذا بهم اليوم نذير مشكلة، لا يمكن حلها إلا بمصادرة مولداتهم، وفتح المجال لآخرين يلتزمون قرارات الدولة، وأي تهاون يعني استمرار هذه المهزلة، فحين يطغى الجشع وتستفحل الفوضى وتُهان الدولة وتُستباح كرامة المواطنين، فذلك يعني أن الأمور تنحو في اتجاه قد يأخذ الدولة إلى حدود أطماع مافيات حاضرة في مختلفة قطاعات الدولة، ومن يضمن غدا ألا يتحرك أصحاب صهاريج توزيع المياه؟ أو موزعو خدمات الإنترنت (الكايبل) والقنوات الفضائية وغيرهم من قطاعات ناشئة.
أصحاب المولدات نفذوا تهديداتهم فأغرقوا المناطق التي تتغذى بالمولدات بالعتمة لساعتين مساء أمس، مناطق لفها الظلام من الخامسة بعد الظهر حتى السابعة مساء، من كسروان إلى الجبل وبعلبك وصيدا وصور والشمال، فهل نحن أمام مافيا جديدة تعيدنا إلى زمن الحرب وإقطاعات الميليشيات؟
نعلم أن هذه القضية ستغيب في الأيام القليلة المقبلة، أكثر من ذلك فإن أصحاب المولدات في جزء كبير منهم يلقون الدعم أو يتشاركون مع الزعامات السياسية التي تقاسمهم المردود، لذا فهم يعرقلون خطط الكهرباء، كما أنهم يوفرون الكهرباء بكلفة أغلى بضعفي السعر الحقيقي، كما أنهم يستخدمون المازوت وهو أسوأ ملوث على الإطلاق؟
في كل شيء يحضر الفساد، وإذا تهاونت الدولة فالأمور ستتفاقم وسنغدو شهود زور على فساد مستشرٍ وفوضى عارمة، وإن كنا نعلم أن الدولة معنية أيضا في تبني سياسات تجنبنا شر المولدات، لا يمكن حل هذه المشكلة دون إيقاف من شرعوا العتم بالأمس، أما إذا تم تمرير هذه الواقعة، فذلك يعني أن الدولة شريكة بالفساد، وثمة من يتآمر على وزير الاقتصاد الذي أكد موقفا صريحا يحدد تنظيم هذا القطاع بعيدا من سرقة أموال الناس، وما يثير مخاوفنا أن يكون "دود الخل منو وفيه".
لا يمكن أن نتغاضى حيال كل ذلك عن أن ما اقترفه أصحاب المولدات أمس في تحركهم المهزلة، تحرك تساوى بالعتم مع ما اقترفته إسرائيل!