#الثائر
في السياسة كما في الحياة أيضا، دائما يبحث الفاشل عن ما يبرر فشله، وغالبا ما يلجأ للهروب إلى الأمام، وهذا حالنا في دولة تدعي بطولات وهمية وتصورها لنا على أنها إنجازات المطلوب منا تصديقها والتصفيق لها، وهذا ما شهدناه في الأيام القليلة الماضية في قضية المولدات الخاصة، ومفادها أن "لا لعب مع الدولة"، ومن لا يلتزم وضع عدادات نحن له بالمرصاد والقانون سيد الموقف، لا بل نرى أن وزير الإقتصاد مدعوما من رئيس الجمهورية ورئيس حكومة تصريف الأعمال يسير في القرار حتى النهاية، وهذا أمر مهم وإيجابي... ولكن!
هل تخطي القانون وتشريع النهب والسرقة يقتصر على أصحاب المولدات فحسب؟ وماذا عن المصانع الملوثة لنهر الليطاني ولسائر الأنهر والمسطحات المائية؟ ماذا عن كسارات تمعن في قضم الجبال، هدما وتشويها؟ أليس ثمة مخالفات أكبر بكثير من جشع وطمع أصحاب المولدات الخاصة؟ ولماذا لا يتساوى الجميع في القانون بين من يخرِّب الطبيعة ومن يسرق من جيوب الناس؟ وأين القانون في ملفات تبدأ من فضائح المطار ولا تنتهي بها؟ ومن يحمي الفاسدين في قطاعات ومرافق الدولة؟
كان يمكن أن نصفق فعلا لمثل هذه الإجراءات الاستثنائية، لو أنها كانت بعيدة عن المثل الشعبي المعروف "جحا ما في إلا عا خالتو"، ولسنا لندافع عن أصحاب المولدات، وهؤلاء يمثلون ظاهرة غير منفصلة عن حال الفساد المستشري في البلد، تماما كما قطاع تجارة المياه وغيره، دون أن نتساءل يوما كيف تتأمن المياه في الصهاريج ولا تصل إلى البيوت؟
على الدولة بالتأكيد أن تحزم أمرها في مواجهة التسيب والفوضى والتشبيح، وهي بدأت، ولكن ليس من الموقع المطلوب من حيث الأولوية، فسرقة مال المواطنين من أصحاب المولدات ليس المشكلة الأخطر، فثمة سرقات متصلة بالهدر على مستوى مؤسسات الدولة وتقدر بالملايين، وتبعاتها على المواطن أشد وأخطر، وباعتراف المسؤولين أنفسهم عندما أقروا استحداث وزارة لمحاربة الفساد.
ما يؤرق المواطن أبعد بكثير من تنظيم قطاع المولدات الخاصة، كما أن الحزم في مواجهة هذا القطاع الناشىء، هو للتغطية على فشل إدارة قطاع بأكمله، والمشكلة بهذا المعنى تظل حاضرة من عجز أفضى إلى تشريع قطاع خاص جاء ليعوض فسادا وإهمالا وفوضى رسمية بامتياز!