#الثائر
– أكرم كمال سريوي
اتسمت التطورات الأخيرة في لبنان بالعناد السياسي، فمن تعطيل الحكومة إلى تعطيل مجلس النواب إلى الفراغ الرئاسي كلها محطات توضح مدى جدية أزمة الحكم في لبنان.
وبالرغم من وجود دستور وأنظمة وقوانين إِلَّا انها لم تحُل دون التعطيل، وها نحن اليوم نواجه أزمة تشكيل الحكومة وما زال البعض يمارس نفس الأسلوب، ويُحكى في هذا الإطار عن محاولة لدفع بعض القوى خارج الحكومة خصوصا اللقاء الديموقراطي الذي هادن الرئيس على مدى سنة ونصف السنة، لكن بات واضحاً أن الهدنة انتهت وان الرئيس وتياره قد أعلنا صراحةً الرغبة بعدم السماح لـ "الحزب التقدمي الاشتراكي" باحتكار تمثيل الطائفة الدرزية، وتجلى ذلك باختلاق كتلة نيابية غير منسجمة لصالح تعويم الأمير طلال أرسلان ومحاولة استغلال الزعامة الارسلانية لإحياء الصراع اليزبكي - الجنبلاطي داخل الطائفة الدرزية.
وبالطبع لا يخفى على أحد ولا على وليد جنبلاط هذا الواقع المستجد، وهو الزعيم المخضرم الذي طالما حافظ على زعامة أقربائه آل ارسلان واحتفظ دائماً بمقعد شاغر للأمير طلال على لوائحه الانتخابية.
واليوم علت أصوات عديدة تطالب بحكومة أكثرية وإخراج اللقاء الديموقراطي والقوات اللبنانية من الحكم بعد تحميلهما مسؤولية تعطيل التشكيل، ويستند هؤلاء إلى أنه من اهم مظاهر الديموقراطية وجود حكومة أكثرية ومعارضة لها خارج الحكم.
وفي الحقيقة، إن هذه الدعوة تحمل في طياتها أمرين: الاول هو محاولة الاستفراد بالسلطة وإقصاء الخصوم والمنافسين، خصوصا وأن البعض يعتبرها مرحلة تمهيدية للإنتخابات الرئاسية المقبلة ويحلو له حسمها مسبقاً ومنذ اليوم.
والثاني هو جهل أو التجاهل لطبيعة نظام الحكم في لبنان الذي أصبح بعد اتفاق الطائف نظاماً توافقياً وأناط السلطة الإجرائية بمجلس الوزراء مجتمعاً وكلفه وضع وتنفيذ السياسة العامة وفرض تمثيل كافة الطوائف في الحكومة بشكل عادل.
وفي ظل هذا الواقع يبقى السؤال المطروح ماذا لو استُبعد اللقاء الديموقراطي من الحكومة؟ وماذا عن التمثيل العادل للطائفة الدرزية بعد أن أفرزت الانتخابات أن الحزب التقدمي الاشتراكي يمثل الغالبية الساحقة للدروز؟ وماذا عن دستورية هذه الحكومة وإمكانية الطعن بها؟ واذا كان بالإمكان استبعاد وتجاوز بعض الأحزاب والقوى الصغيرة فهل يمكن استبعاد فريق أساسي من المسيحيين كالقوات اللبنانية؟
ثم هل يمكن لفخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي طالما رغب ووعد اللبنانين بمرحلة مميزة من الحكم يعيد فيها إلى لبنان مجده وازدهاره أن يحقق هذا الهدف بكسر واستبعاد أفرقاء أساسيين في التركيبة الوطنية اللبنانية؟
ربما حان الوقت لمزيدٍ من الحكمة لدى الجميع والابتعاد عن سياسة العناد والمكابرة والإسراع في لم الشمل وتقديم المصلحة الوطنية على المصالح الطائفية والغايات الشخصية، فالوحدة الوطنية هي مصدر القوة الوحيد للرئيس والعهد والوطن.