#الثائر
شهدت العديد من المناطق اللبنانية أمس نشاطات عدة في " اليوم العالمي لتنظيف الأرض "، وكان لافتا للانتباه غياب لبنان الرسمي عن هذه الاحتفالية، ولهذا الأمر ما يبرره، فلا أزمة نفايات ومزابل ومكبات تطارد اللبنانيين وتكدر عيشهم، ولا الصرف يفيض برا وبحرا ويلوث سماءهم، أما الكسارات والمقالع فتعمل وفق شروط بيئية صارمة منعا لتلوث المياه وتشويه الجبال والأحراج، ويعمد المستثمرون إلى إعادة استصلاحها بالتجليل وزرع "الغازون" لإقامة منتزهات ومرافق سياحية، والشاطىء لازوردي يذكر الناظر إليه بـ "الصيف الهندي"، والأنهر يتدفق ماؤها نقيا رقراقا كدمع العين، والهواء حكاية أخرى، فهو مشبع بعطور الطبيعة الخلابة أين منها عطور باريس؟!
لبنان في كامل "نظافته" و"مهفهف" بياضا وجمالا وطيبا من مسك وياسمين، ولبنان وطن "لا غبار عليه"، سبق أمم الأرض قاطبة في أمور النظافة، بدءا من "نظافة كف" مسؤوليه إلى نظافة جيوب أبنائه، وليس ثمة حاجة للإحتفاء بيوم عالمي خصص لنظافة الكوكب، فهذا اليوم لا شأن للبنان به، فهو عنوان جمال دائم، وأكبر من أن ينضوي في احتفالية أحيتها شعوب الأرض غير "المتحضرة"، وغير القادرة على معالجة نفاياتها وحماية شطآنها والأنهر من كل أدران التلوث.
لبنان استثناء "ناصع" في عالم متسخ، وكأن المسؤولين لا يدركون إلى اليوم أن وطنا ائتمنوا عليه بات مضرب مثل في سوء الإدارة وما ينجم عنها من كوارث تلاحق الناس في صحتهم ومستقبلهم وفي كل مرافق الحياة، من البيئة إلى التربية وقد تصدرتا في الأيام الماضية مشهد الفساد وكادتا تختزلانه، والفساد هو بعض نفايات خطرة تتغلغل في منظومة القيم الاجتماعية والأخلاقية، وهي أشد فتكا وضررا من نفايات المزابل ومحارق الموت.
كل تبعات التلوث مردها إلى تلوث السياسة، وهذا ما تم لحظه في استحداث وزارة لمكافحة الفساد ما تزال عاجزة عن أداء الدور المنوط بها، ولا يزال اللبنانيون ينتظرون ما يبدد هذا المشهد الداكن، ومن العبث معالجة النتيجة في مقاربة تلوث المياه والتربة والهواء والشاطىء والبحر وسائر الأزمات الحياتية، وترك وإغفال السبب، وهذا أقل الإيمان، وهذا ما يتطلب الابتعاد عن نوازع ضيقة تكون مدخلا لتشكيل حكومة، كي لا يصاب لبنان بعجز كلي، وعندها الكل سيخسر، والكل خاسر حتى حدود اللحظة.