#الثائر
– أنور عقل ضو
قبل أن يستعر الخطاب السوقي بعد إعفاء موظفين من مواقعهم في وزارات التربية والبيئة والطاقة والمياه، كنا نتوقع أن لا حكومة في المدى القريب، أما اليوم فبتنا على قناعة، أكثر من أي وقت مضى، بأن لا دولة، لا في المدى القريب ولا البعيد أيضا.
لم تعد المشكلة قضية أحجام ومواقع وحصص في حكومة "دكاكين" الطوائف وزواريبها المظلمة، وإنما قضية أحقاد راسخة في العقول، وإلا كيف نفسر حلقات الجنون والمجون والكل انغمس في ما هو أشد فتكا من حرب تخاض في ميدان حقيقي؟
بين "الرخويات السياسية" و"شرب الأنخاب على القبور"، فتحت قبور الماضي ولا من يغلقها، لا التهدئة تنفع ولا التسوية قابلة للحياة، أما الحكومة فستولد سِفاحا على قارعة عصبياتنا القاتلة، وسنظل في دولة المزرعة لا المؤسسات، نمارس العته السياسي عبر خطاب عشائري وما دون، فالعشيرة تحكمها منظومة من القيم والمناقب، أما عشائر السياسة فلا يحمكها غير نوازع الشر والحقد.
رؤوس حامية على خواء ثقافي وفكري، والعقل صادرته الغرائز، ولبنان مخزن عقد طائفية ومذهبية مستحكمة في "عصفورية" مساحتها 10452 كليومترا مربعا، والكل يمهد الطريق لحروب مقبلة، ليس بالضرورة في ميادين حقيقية تذكر بحروب الماضي وليس ثمة من كان بعيدا عنها، فالكل ملطخ بالدماء وملوث بها، وإنما في ميادين الحياة اليومية، خصوصا وأن استعادة الماضي هو أخطر أشكال الحروب وأشدها فتكا، لأنها تصادر الحاضر، وتُبقي المستقبل معرضا للخطف على "حاجز طيار".
لبنان إلى الفوضى من جديد، فما قيل وما سيقال، تغريدا وتصريحات ومواقف، يعني دون مواربة سقوط الدولة، ومن لم يقرأ جيدا في مواقف الغرائز المتفلتة من عقال الفكر، يدنو من أن يكون أُميا في السياسة، أما عودة الوعي فليست مؤجلة وحسب، لا بل مستحيلة، طالما أن نظامنا السياسي قائم على ما يرسخ الانتماء إلى حدود طوائف لا دولة مفترض أن تكون محكومة بمنطق المؤسسات المنزهة عن خطاب طائفي مقيت.
حتى ولو التقى "عليّة القوم" وقرروا تبني خطاب التهدئة، فالكلمة رصاصة تصيب وتقتل، فكم بالحري إن كانت قذائف من عيار الجهل، تظل قذائف العدو الإسرائيلي أقل منها فتكا، فقذائف الأعداء الحقيقيين توحد، أما قذائف ذوي القربى فتفرق وتهدم ما بقي من شواهد وطن ودولة!