#الثائر
- * " فادي غانم "
لم نتيقن بعد في لبنان أنه بالعلم وحده لا يمكن أن نبني وطنا، فالمتعلون كثر ولا نزال "نتقدم" إلى الوراء في تقليد لبناني راسخ، نَـــحَرَ ولما يزل دولةً ومؤسسات مع ما نشهد من فضائح، قديمها والمستجد، بين ماضٍ مريض وحاضر بلغ أعتى مراحل المرض، حتى بتنا على قناعة أنه لا بد من بناء وطن جديد، أما الذي نعرفه ونعيش بين ظهرانيه، فما يزال في مرحلة النزع الأخير، ولا بد من قرار واعٍ لوقف الأوكسيجين عنه ليلفظ أنفاسه بهدوء، ومن ثم إجراء المقتضى على قاعدة أن إكرام الميت دفنه.
كثر هم المتعلمون وقلة من يفقهون ويتفكرون، كثر حملة الشهادات وقلة أصحاب القيم والمناقب والأخلاق، وهذه إشكالية تبيِّن بعض أسباب الفساد وتمظهره في مرافق الدولة وتجلياته الفاضحة في ما نعيش اليوم، وما نُصدم به حتى حدود الإحباط، خصوصا أنه بدلا من أن نكافىء نرانا نعاقب من باب استحضار الكيد بالكيد والفوضى بالفوضى والفضحية بأخرى.
نزار هاني ليس تفصيلا في ما يحاصرنا بالفوضى والاستنساب، ولا غيره أيضا، فهو كسر رتابة الوظيفة وعلا بها إلى ما يتعدى التوقيع على جدول الحضور وحل الكلمات المتقاطعة وتربية الدجاج وفقس البيض في مؤسسة رسمية، نزار هاني حلق في فضاء البيئة بالتعب والسهر وعرق التضحية، صعد جبالا وارتقي صخورا وهبط في سحيق الوديان والمنحدرات ليرفد محمية أرز الشوف للمدى الحيوي بما يعزز الاستدامة، وكي لا تكون المحمية مجرد جزيرة معزولة عن محيطها، فاستطاع مع فريق عمل رائع أن يربط هذه المحمية بمحيطها، وجعل من القرى والبلدات القريبة جزءا من فضائها، رابطا الإرث القروي بدورة إنتاج مستدام، فاستحق ثناء المؤسسات الدولية العريقة، مع ما حقق من إنجازات وخطط من مشاريع تعيد لأبناء الشوف ومن مختلف الطوائف ما يرسخ جذورهم في تربة الكرامة، وهي التي تنتج عيشا واحدا أبعد بكثير من مراسم وبروتوكولات.
نزار هاني مدير محمية الشوف للمدى الحيوي غدا بإنجازاته رمزا ونموذجا للمسؤول الذي حصن علمه بوافر الأخلاق والمناقب ودماثة الخلق، تلك التي تربينا عليها في عين زحلتا والباروك والمعاصر وغيرها، فقدم إضافة للوظيفة، لا بل تخطاها إلى آفاق كم نتمنى لو نشهد مثيلها لها في وزارات ومؤسسات الدولة.
نزار هاني... نحبك، ومعك سنبني يوما وطنا يتسع لأحلامنا المشتركة، للعيش الواحد المنزَّه عن أغراض السياسة وهي تقوض ما بنينا معا، أو ما بنيناه معك، ونعلم أن الحياة مآلها التطور، رغم كبوة مسؤول وأكثر، وسيعرف الجميع يوما أن الفرق كبير بين حنطة أرض الشوف الخيِّرة وزؤانها، ما يحتاج لتنقية، ولدينا يا أخي نزار عمل كثير!
*الحاكم السابق لجمعية أندية الليونز الدولية – المنطقة 351 (لبنان، الأردن، العراق وفلسطين)
*رئيس " جمعية غدي "