#الثائر
كتبت "العربي الجديد" تقول: خلسة وفي آخر أيام إجازة الصيف ووسط انشغال واشنطن بمستجدات قضية التحقيقات الروسية، ومشتقاتها وبالاستطلاعات الأخيرة غير السارة للرئيس الأميركي دونالد ترامب ، صدر عن وزارة الخارجية في وقت متأخر الجمعة وبتوجيه من البيت الأبيض؛ قرار بقطع المساهمة الأميركية كلياً في موازنة وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين " أونروا ".
الخطوة كانت متوقعة، ومع ذلك كانت صادمة. حيثياتها واهية ودوافعها السياسية مفضوحة لكن الموانع في طريقها مفقودة، خاصة العربية منها. والباقي معروف. فهذا القرار بدأت ترجمته بالتقسيط منذ أشهر.
الإدارة سبق وأعطت إشارات لا تخطئ، عن عزمها على قطع الدعم للوكالة. سفيرة واشنطن في الأمم المتحدة نيكي هيلي توعدت السلطة الفلسطينية بدفع ثمن "مواقفها المعادية للإدارة" فقط لأن الفلسطينيين لجأوا إلى الجمعية العمومية للأمم المتحدة، وطلبوا التصويت ضد قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. كان لا بد من الانتقام منهم وكأنهم ارتكبوا معصية لا تسامح في معاقبتها.
تلا ذلك قبل أشهر، قرار بخفض الدفعة المستحقة للوكالة من 130 مليونا إلى 65 مليون دولار، والتي تشكل قسطاً من قيمة ثلث الموازنة السنوية للوكالة البالغة 1,24 مليار دولار، والذي تتكفل به واشنطن منذ إنشاء "أونروا" في أعقاب النكبة.
زعمت الخارجية في حينه أن الوكالة "فشلت في إجراء الإصلاحات المطلوبة" في عمل جهازها، وبالتالي كان لا بد من تدفيعها ثمن الهدر الذي تسببت به إدارتها السيئة للمساعدات. واضح أن الذريعة مجوّفة. لو كانت مسألة إصلاحات لكان من الضروري على الأقل توجيه إنذار للوكالة قبل معاقبتها. ثم إن هذه الوكالة هي مؤسسة دولية أنشئت بقرار دولي، وبالتالي فإن الأمم المتحدة وليست الولايات المتحدة هي الجهة المسؤولة عن ضبط أعمالها وتصحيح مسارها عند الضرورة.
إلا أن الإدارة آثرت التصرف لوحدها وبما يدل على أن المسألة أبعد من زعم الإصلاح. هي عقاب سياسي مزدوج: للسلطة الفلسطينية التي قطعت تواصلها مع إدارة ترامب بعد الاعتراف بالقدس، كما للأمم المتحدة التي رفضت جمعيتها العمومية ذلك الاعتراف.هذا في شكل تسويغه، لكن في أساسه كان القرار أبعد من رد فعل على رام الله والمنظمة الدولية. فهو خطوة مكملة لشطب قضية اللاجئين وبالتالي لحق العودة.
جاريد كوشنر مهندس "صفقة القرن" مع فريقه وبالتعاون مع السفير الأميركي في إسرائيل ديفيد فريدمان، المروّج لسياسات رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، قالها صراحة عندما اعتبر أن "أونروا" تعرقل التسوية وبالتالي مطلوب الخلاص منها. ما عناه أن وجود الوكالة ليس غير اعتراف صريح بوجود لاجئين حفظت الأمم المتحدة حقهم في العودة، في قرارها الذي أنشأ وكالة الغوث، وهو اعتراف تؤكد حكومة نتنياهو واستطراداً فريق كوشنر، على وجوب محوه لتفريغ حق العودة من مضمونه وسحبه من مشروع ما يسمى بـ"صفقة القرن" الذي تلوح الإدارة بعزمها على كشف خطوطه في الوقت المناسب.
ومن آخر مبتكرات الإدارة في هذا المحو ألا تنطبق صفة لاجئ فلسطيني سوى على من بقي على قيد الحياة فقط من جيل تأسيس أونروا قبل 70 سنة، بحيث لا تشمل أبناءهم. وبذلك تصبح مسألة وقت قبل أن ينطفئ اللجوء الفلسطيني، ومعه يتلاشى حق العودة.
إدارة ترامب تزعم بأنها تتعامل مع القضية بمقاربة جديدة "لأن كل الصيغ السابقة لم تثمر". وإمعاناً في التمويه المكشوف بكل حال، تقول ومن دون أي إحراج إنها تعمل على تسهيل المفاوضات من خلال "سحب البنود الشائكة من جدول أعمالها" مثل القدس بعد الاعتراف بها.
وفي هذا السياق، يندرج قطع التمويل عن أونروا كمدخل لشطب بند حق العودة. تجويف منهجي يلتقي ويتكامل مع التمدد الاستيطاني ويستهدف ليس فقط حل الدولتين بل أيضاً حقوق الشعب الفلسطيني في الصميم. وخطورة هذا النهج حتى ولو أن التاريخ لن يكون بجانبه في آخر المطاف، أن فصوله تتوالى من غير عائق، وفي ظل غيبوبة عربية تجاور الموت.