#الثائر
ما يزال المشهد التركي مشرعا على الكثير من التساؤل ويكتنفه الغموض، على الأقل حتى تتبلور أكثر فأكثر المعطيات داخليا وإقليما وحتى دوليا، وبالتأكيد سيسيل الكثير من الحبر تحليلا وتفسيرا لحيثيات الانهيار الانهيار الاقتصادي، مع ازدياد معدلات التضخم، وتدهور قيمة الليرة التركية ، فضلا عن ارتفاع مستويات الدين العام، بحيث توقعت وكالة "ستاندرد آند بورز" للتصنيفات الائتمانية انكماش النمو الاقتصادي التركي العام المقبل.
ويبقى السؤال الأهم إلى أين يتجه الاقتصاد التركي؟
بحسب "ستاندرد آند بورز" أيضا، فإن التضخم أن يصل إلى ذروته عند حدود تتخطى الـ 22 بالمئة على مدار الأشهر الأربعة المقبلة، إضافة إلى أن ضعف الليرة سيضع ضغوطا كبيرة على قطاع الشركات المدِينة، الأمر الذي من شأنه أن يزيد أكثر فأكثر مخاطر تمويل القطاع المصرفي التركي.
فيما خفضت وكالة "موديز" الائتمانية أيضا تصنيفها الائتماني لتركيا إلى BA3، مع تغير في نظرتها المستقبلية للاقتصاد إلى سلبية، ورأت أن تشديد الأوضاع المالية في تركيا، وضعف سعر صرف العملة، سيساهمان في زيادة معدلات التضخم، وصولا إلى انكماش النمو الاقتصادي.
ويبدو أن الرئيس رجب طيب إردوغان قد استسلم للغة انفعالية، وإجراءات متسرعة لن تزيد المشكلة إلا تعقيدا، خصوصا وأن تدهور الإقتصاد التركي جاءت شرارته الأولى بعد الأزمة بين أنقرة وواشنطن على خلفية احتجاز تركيا قسا أميركيا، دون إغفال عوامل كانت حاضرة بدورها، أهمها أن سياسات إردوغان من جهة، وتدخله بشؤون السياسة النقدية من جهة ثانية، هي التي أوصلت الاقتصاد إلى الانهيار.
وبحسب خبراء، فإن حدة التوتر بين واشنطن وأنقرة بعدما أعلنت أنقرة أنها لن تلتزم بالعقوبات التي ستفرضها واشنطن على صادرات النفط الإيراني، التي ستطبق في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، قد تكون سببا لفرض واشنطن مزيدا من العقوبات على تركيا، ما يعني مزيدا من انهيار العملة، دون إسقاط أن ثمة متاعب ستضاف لسلسلة تحديات اقتصادية تركية سابقة، بعد العقوبات التي فرضتها واشنطن على بنك "هالك" التركي، لانتهاكه العقوبات التي فرضتها الإدارة الأميركية السابقة على ايران.
وإلى جانب الظروف السياسية، يلقي خبراء اقتصاديون باللائمة على السياسات النقدية للرئيس التركي، التي يصفونها بأنها "انقلاب على العلوم الاقتصادية العالمية"، فالرئيس التركي تدخل في سياسات البنك المركزي، ورفض رفع معدل الفائدة لمواجهة التضخم، كما واجه الكارثة الاقتصادية بإلقاء اللوم على ما سماها "مؤامرة أجنبية".
في المقابل ثمة معطيات تنذر بمزيد من الانهيار في قيمة الليرة، التي فقدت منذ مطلع العام أكثر من 40 بالمئة من قيمتها مقابل الدولار، كما تزيد الشكوك من احتمال تراجع تركيا كنموذج للاقتصاد الناشئ، مع تزايد هروب المستثمرين من السوق التركية.
يبدو أن إردوغان يواجه الأزمة بالهروب إلى الأمام، هذا ما توحي به عبارته "مؤامرة خارجية"، لكن في الحقيقة راح إردوغان بعيدا في اتجاه المبالغة بدور تركيا في المنطقة، علما أن هذا الدور لا يمكن أن تحدده سياسة المغامرات من العراق إلى سوريا وإيران وصولا إلى قضية الأكراد، في وقت تشهد المنطقة تقاسما وترسيم حدود ونفوذ بين روسيا والولايات المتحدة، ما يؤكد أن انهيار الليرة ليس بعيدا عن دور موهوم رسمه إردوغان ويدفع الآن – مع الشعب التركي – تبعاته، ولا يملك إردوغان حيال كل ذلك إلا الترويج لنظرية "المؤامرة"، تماما كما تفعل الأنظمة المتهاوية والعاجزة التي غالبا ما تعلق هزائمها على شماعة "المؤامرة" ذاتها!