خاص #الثائر– سوزان أبو سعيد ضو
تسابقت صغار السلاحف الـ 97 على رمال شاطىء المنصوري في قضاء صور للمرة الأولى في حياتها، متجهة نحو الشمس الغاربة، وبدت تضج حياة وهي "تمتطي" الموج المتكسر زبدا على الشاطىء الرملي، مبحرة نحو المجهول، وقد يكتب لعدد قليل النجاة وعدد أقل العودة بعد ما ينوف على ربع قرن لوضع البيوض وتأمين دورة حياتها المستمرة منذ ملايين السنين.
شارك ناشطون من كافة المناطق في احتفالية كبيرة تحدث للمرة الأولى بمثل هذا العدد من المهتمين، من عائلات وكشافة وإعلاميين قرب حمى "البيت البرتقالي"، ومع تصفيق حوالي 300 شخص إثر ملامسة أقدام أولى السلاحف مياه البحر، بدأ النشاط بعد شرح مبسط في البداية عن أهمية هذا الشاطئ للسلاحف والجهد المبذول منذ سنوات للمحافظة عليها، وحمايتها وحماية هذا الشاطئ الهام لتكاثرها، خصوصا وأن نوعين منها تتابع القدوم سنويا لتبيض عليه، وتتم المحافظة على البيوض حتى تفقس، وإطلاقها في البحر من قبل الناشطين.
خليل: أسعد إمرأة في العالم
وفقا لصاحبة "البيت البرتقالي" والراعية لحمى المنصوري المنظمة لهذا الحدث والناشطة منى خليل التي تتابع هذا النشاط منذ سنوات: "هذه السلاحف الصغيرة لن يكتب لي أن أراها تعود، لكنها ثروة أهل المنصوري وعليهم المحافظة عليها".
وعبرت عن سعادتها بهذا الحدث، قائلة: "أشعرني بأني أسعد إمرأة في العالم، عندما رأيت أهلي وأطفالا من قريتي، يحافظون ويحترمون شاطئهم، لأنهم من سيتابع المسيرة بعدي، هناك ما يسمى بالسياحة البيئية، فليس من الضروري تخريب الشاطئ لاجتذاب السياح، وقد قلت أنه يمكن لأهل المنصوري أن يحموا هذا الشاطىء، خصوصا وأنه قد وضع على الخارطة العالمية، وأصبح من الأهمية بمكان وأصبح لأهل المنصوري كلمة مسموعة، فحافظوا على هذه السلاحف وادعموا سياحتكم البيئية، وقبل موتي يمكنني أن أعلم الجميع كيفية العناية بها". وأضافت خليل: "لدي الآن 6 ناشطين يمكنهم أن يحلوا مكاني، والعدد يزداد".
وعن عدد السلاحف التي تم إطلاقها، قالت خليل: "بدأنا الموسم، وأطلقنا 3 أعشاش حتى الآن، وأطلقنا العش الأول منذ فترة من نوع سلحفاة Loggerhead Turtle، وآخرها هذا الحدث وهو مميز كونه شمل حوالي 100 سلحفاة من نوعين من السلاحف Caretta caretta أو Loggerhead Turtle، وgreen sea turtle اسمها العلمي Chelonia mydas، وقد أثرت الإضاءة العالية Projectors بصورة كبيرة على هذه السلاحف، وعلى فترة عشرة أيام وأنا أحاول منعهم من هذه الإضاءة التي تخيف السلاحف حتى ارتدعوا أخيرا".
التلوث الضوئي
وقالت: "سلحفاة الـ Caretta أصغر حجما و(جبانة) للغاية وتخيفها الأضواء، أما الخضراء فلم تتأثر، فخلال 18 سنة لم يصل عدد أعشاش السلحفاة الخضراء لما وصل إليه في هذا العام، وهو 8 أعشاش، وهو رقم قياسي لم يحدث من قبل، وهو أمر يشعرنا بالحماس خصوصا وأنها مهددة بالإنقراض أكثر critically endangered، وفي الأعوام السابقة كنا إن حصلنا على عش من هذا النوع من السلاحف الخضراء نعتبر أنفسنا محظوظين".
وأشارت إلى أن "التلوث الضوئي يؤثر على هذه الكائنات الحساسة ويمنعها من الصعود إلى الشاطئ لتبيض، ولماذا استعمال هذه الأضواء العالية التي تصل حتى صور، بينما يمكن أن يروج للشاطئ بيئيا"، وختمت "كل ما أريده هو احترام وجود هذه السلاحف، فلكل شيء حدود، فلا وجود لأماكن أخرى على طول الشاطئ اللبناني تفقس فيها هذه السلاحف وبهذا العدد، ومن هنا وحتى 25 سنة فستعود بعض هذه السلاحف لتبيض، وليتابعها أهل المنصوري ويحافظوا عليها من جديد، وهؤلاء الأبطال الذين ساعدوني اليوم بعد تعرضي لنكسة صحية هم دليل على استمرارية هذا الجهد، وآمل باستقطاب المزيد من الناشطين، وخصوصا من أهل المنصوري للمحافظة على شاطئهم وثروتهم".
حجار
والتقينا المواطن طوني حجار من مدينة جونيه، وقد أتى مع عائلته المكونة من ثلاثة أطفال وزوجته، فقال لـ "الثائر": "علمت عن هذا الحدث عبر (فيسبوك)، واحببت المشاركة من أجل أطفالي الثلاثة وسأحضر السنة القادمة، وأتابع كل ما هو ما متعلق بالبحر، ومثل هذا الحدث نادر الحدوث خصوصا في بلادنا، ومن أجل توعية أولادي على غنى بلادنا وبهدف المحافظة على هذه الثروة البحرية الهامة، التي قد لا نراها نحن ولكن يمكن لهم أن يروها ويتابعوا المحافظة عليها في المستقبل".
أوفيليا
أوفيليا من ولاية نيو هامشاير في الولايات المتحدة حضرت مع ولديها كريم 12 سنة وكيان 9 سنوات لمشاهدة إطلاق السلاحف، وعلمت بالحدث أيضا عبر موقع (فيسبوك) وقالت لـ "الثائر": "سمعت عن البيت البرتقالي منذ خمس سنوات ويحب أطفالي البحر وكائناته المختلفة ويتابعون كافة النشاطات في هذا المجال".
وأضافت: "خلال وجودي في لبنان وعند علمي بالنشاط، جلبت أولادي للمشاركة في هذا الحدث، ويفكر إبني كريم بمتابعة دراسته للتخصص في البيولوجيا البحرية، ويجذبه كل ما يتعلق بالقرش والحيتان والسلاحف، وهي فرصة لمتابعة هذا الحدث الرائع".
خشاب
من جهته، قال الناشط البيئي والذي يتابع هذه السلاحف منذ حوالي عشر سنوات على شاطئ المنصوري رامي خشاب: "نرصد وصول السلاحف الإناث إلى الشاطئ من الآثار التي تتركها عليه، نقوم بتتبعها لنعرف مكان الأعشاش، والحفر وقياس أبعادها، خصوصا لجهة بعد هذه الأعشاش عن الشاطئ، وأخذ قياسات لأوزان وأعداد الصغار وأنواعها وفقا للون وحجم البيوض، ونعيد وضعها في الأعشاش أو إبعادها مسافة آمنة ووضع حماية من الشبك للعش من الحيوانات المفترسة ومن أشخاص أو حيوانات قد يعبثون بها، فضلا عن وضع علامات عليها لنتعرف على أماكنها، وإخفاء مكان الأعشاش، وبعدها نترك الطبيعة تأخذ مداها".
وأضاف: "بعد مدة تتراوح بين 45 و60 يوما، نفحص الأعشاش، ونجمع الصغار، ونحصل على بياناتها كالحجم والوزن وغيرها، ونمهد الطريق لها لتنطلق إلى البحر"، وأضاف: "اليوم أطلقنا 97 سلحفاة 55 منها loggerhead و42 منها green، وسنتابع إطلاق السلاحف من حوالي 20 عشا وجدناها، وهو عدد قليل من الأعشاش بالنسبة للسنوات السابقة، ولكن هناك عددا قياسيا من السلاحف الخضراء وهو أمر جيد للغاية، فضلا عن وجود مئات من الأشخاص، ومن المثير للإنتباه أن الأطفال كانوا نسبة غير قليلة، ومن بلدة المنصوري وهو أمر رائع لأنهم سيتابعون هذا النشاط في المستقبل والمحافظة على هذه الثروة".
يونس
وقال الناشط البيئي وعضو جمعية "شعاع البيئة" سليم يونس: "هذا النشاط يشجع على حماية هذه السلاحف التي تعد على شفير الإنقراض، وكل يوم نسمع عن سلحفاة نافقة أو مصابة وبطريقة عشوائية، فضلا عن التعدي على الشواطئ البحرية التي تصل إليها هذه السلاحف، لتضع بيوضها فيه بسلام، وخصوصا لجهة بناء المنتجعات السياحية وإضاءة الأنوار العالية، ما يؤثر على حالة السلاحف، فعند قدومها لتضع بيوضها وحالما تشاهد الأضواء تعود، فنحرمها من هذه العملية الطبيعية وأنفسنا من هذه الثروة".
وعند سؤاله عن وجود سلاحف في منطقة الصرفند التي ينتمي إليها أجاب: "لا توجد في الصرفند سلاحف، ولكنها موجودة في عدلون، الا أنه لا يوجد عمل جدي للمحافظة عليها كالذي تقوم به السيدة منى خليل هنا".
وختم قائلا "من المفترض تعميم هذه التجربة على كافة الشواطئ اللبنانية، وأن نحمي هذه السلاحف للمحافظة على التوازن الطبيعي وكافة المناطق البحرية".
يبقى هذا النشاط وهذه الإحتفالية ومضة ضوء وسط التدهور البيئي الذي يعاني منه لبنان، وها هو هذا الشاطئ الأنظف ربما في كل لبنان، يتهدده حيتان المال، وقد بدأوا يحاصرونه بالأضواء الكاشفة والتلوث الناتج عن المنتجع الذي أقيم على كتفه، ما يهدد ملجأ هذه السلاحف ومقصدها بعد سنوات عدة للتكاثر بالتلوث والتدهور البيئي والفناء، لكن ما يبشر بالخير أن أصحاب المنتجع أبدوا التجاوب ليكونوا جزءا من هذا الشاطىء لجهة تعزيز السياحة البيئية.