#الثائر
ما ساقه الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي في كلمة ألقاها في المختارة أمس لا يبتعد كثيرا في مضمونه عن رسالة قداسة البابا الراحل يوحنا بولس الثاني، في تأكيده أن لبنان أكثر من وطن، ورفعه إلى مرتبة "رسالة"، فقد بدا ساركوزي قارئا جيدا لـ "فلسفة التنوع" بجانبها المشرق، وذكر اللبنانيين بهذا الإرث الذي غالبا ما أضاعوه في نزاعاتهم وحروبهم، لا بل شوهوا القيمة الأجمل للبنان، وما زالوا يتناحرون وحروبهم مستمرة في السياسة، تدمر وتهدم داعائم الحاضر والمستقبل، فالتهجير على سبيل المثال لم يعد فعلا قسريا بفعل عسكري، وإنما ما يزال مستمرا كفعل طوعي.
أشار ساركوزي إلى أن لبنان ليس كسواه من البلدان، إنه رمز للثقافة والتسامح والتنوع، هذا التنوع الذي شكل مصدر غنى للشرق لسنوات طويلة، وقرون طويلة، داعيا إلى "الحفاظ على هذا التنوع باعتباره القيمة الأغلى لبلادكم"، مؤكدا أن "تنوع الطوائف والأديان هو ثروة لبنان والشرق، من يريدون تدمير التنوع هم مَن يريدون تدمير الديموقراطية والأمل، التنوع ضرورة".
وتساءل ساركوزي: "لماذا يرتدي لبنان هذه الأهمية الكبيرة؟ لأنه بمثابة الباروميتر لمنطقة الشرق بكاملها. إذا كان لبنان ينعم بالسلام، فسوف ينعم الشرق بالسلام، وإذا كان لبنان في حالة حرب، إذا كان لبنان يعاني، إذا لم يكن لبنان موضع احترام، فسوف يتحمل الشرق بأسره التبعات. لطالما وقفت فرنسا إلى جانب لبنان، وسوف تبقى إلى جانبه على الدوام، أيا تكن الظروف. للبنان الحق، شأنه في ذلك شأن أي بلد آخر، في أن يكون مستقلا وحرا ومحط احترام وأن ينعم بالسلام.
تتبدى أهمية كلمة ساركوزي في فهم "فلسفة التنوع" كمثال إنساني يعد الأرقى في عالم تتجاذبه المصالح، وتقوض سلمه الطوائف والمذاهب والإثنيات.
وبدا ساركوزي "مغردا" في فضاء المختارة متبنيا هواجس سيد القصر دون الإعلان جهارا عن خوفه من ضياع لبنان في صراع الأمم والمصالح الكبرى، فخصوصية موقع الرئيس الأسبق لفرنسا تفرض حدودا من الدبلوماسية، فاقتصرت كلمته على عرض القيمة الحقيقية للبنان ولم يوغل في طرح مخاوفه.
ما لم يقله ساركوزي جهارا، وإن ألمح إليه ضمنا باعتبار لبنان "بارومتر" منطقة الشرق الأوسط، قاله جنبلاط حين أكد أننا "نستطيع كلبنانيين أولا أن نحافظ على لبنان المتنوع المتعدد والديموقراطي والمزدهر، وأن لا نغرق في خلافات ربما قد تجرنا إلى إلغاء لبنان الكبير وإنشاء سوريا الكبرى"!
بدا الرئيس ساركوزي أمس "جنبلاطيا" في أفق سياسي تغلفه التساؤلات والهواجس من على ناصية المشهد السياسي الشرق أوسطي، حيث تتشكل خارطة جديدة لتكون المدى الحيوي لنفوذ الدول الكبرى، ما يشرع مخاوف ساركوزي الضمنية، ويبقي هواجس جنبلاط قائمة!