فات الأوان |
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
#المغرّد
فات الأوان
- " اكرم كمال سريوي "
هذه القصة للكاتب الروسي انطوان تشيخوف، تُجسد حقيقة مُرّة، تعاني منها شعوب العالم، وربما نحن في عالمنا العربي، أكثر من يحتاج لقراءة هذه القصة، لأنها من صميم واقعنا المأساوي، فالفساد بات طبيعة متأصّلة على كل المستويات، من التاجر الصغير وصولاً إلى كبار المسؤولين. أناس يفكرون من بطونهم، وعقولهم في جيوبهم، باعوا ضمائرهم منذ زمن، وداسوا على الأخلاق بنعالهم، وسرقوا، ليس فقط صامولة القطار كما في قصة تشيخوف، بل سرقوا السكة الحديدية بأكملها، ونهبوا قطار الوطن بما فيه. فهل حقا فات الاوان في لبنان؟
إليكم قصة تشيخوف:
اثناء قيام احد الحراس بالتفتيش بالقرب من محطة السكك الحديدية في روسيا . وجد رجلًا يقوم بفك صواميل الفلنجات التي تقوم بتثبيت شريط القطار ، فاقتاده الى قسم الشرطة للتحقيق .
المحقق: هل تعلم مدى خطورة ما تفعل ، أنت متهم بتعريض حياة آلاف الابرياء للخطر . الرجل : كيف!؟ ، انها مجرد صامولة ، لن تؤذي أحدًا ، انا في حياتي لم أؤذ أحدًا من قبل !!!.
المحقق :لماذا فككت الصامولة !؟. الرجل : استخدمها لتثبيت الشبكة اثناء الصيد فأنا اعمل صيادا ، وأريد شيئا ثقيلا به ثقب لتثبيت الشبكة ، فالصامولة هي افضل اختيار متاح بالنسبة لي .
المحقق : ولماذا لم تشتر شيئا او تصنع واحدة !؟. الرجل : إنها مكلفة ، وأنا صياد فقير ، فمن الاسهل أن أفك الصامولة ، عن أن أتحمل ثمن صنع واحدة ، القرية كلها تفعل مثلي .
المحقق : ماذا تقول !؟، هذا جنون ، أتقول أن القرية كلها سرقت الصواميل مثلك، سوف ينقلب القطار بالتاكيد . الرجل : كلا لن ينقلب، فنحن نفك صامولة ونترك أخرى بالتبادل ، حتى تتوزع الاحمال ، لقد تعلمنا هذا في دروس الفيزياء في المدرسة ونحن صغار .
المحقق : لا يزال هناك خطر قائم ، وهل تستخدمون كل هذه الصواميل في الصيد!؟. الرجل : أنا واخوتي نستخدمها في الصيد ، وجارنا يستخدمها في صنع الاقفال لبيت العمدة ومركز الشرطة .
المحقق : ماذا تقول!؟ ، ولماذا يفعل جارك هذا! الرجل : لقد طلب منه العمدة تجديد اقفال المنزل ومركز الشرطة ، ولم يعطه مالًا، ففكر في طريقة يجدد بها الاقفال دون تكلفة ، ولم يجد أفضل من صواميل القطار .
المحقق : وطبعًا رأى العمدة تلك الصواميل ، فهل سأل من أين حصلتم عليها !؟ الرجل : العمدة لم يكترث ، هو فقط أراد إصلاح الاقفال .
المحقق : نشكر الله أننا قد اكتشفنا الأمر قبل ان تحدث كارثة ، سوف أصدر أمرا بتعيين حراسة على تلك القرية لمنعهم من فك صواميل القطار .
الرجل : اعتقد انها لن تكون مشكلة بالنسبة لنا، لأننا سوف نحصل على الصواميل من القرية المجاورة لنا ، سوف نشتريها منهم .
المحقق : ينتفض فزعا ، ماذا تقول ، أهم يفعلون مثلكم !!؟ الرجل: نعم سيدي ، كل القرى في محيط شريط القطار تفعل هذا ، هناك من يستخدمها للصيد ، وهناك من يبيعها ، وهناك من يصنع بها الاقفال ، نحن مضطرون لذلك ، فلا بديل أمامنا ، ولا نملك النقود لشراء أبسط الاشياء ، فنضطر لفك صواميل القطار .
المحقق : فهل إن رفعنا رواتبكم ، تتوقفون عن سرقة الصواميل . الرجل : أخشى سيدي انها قد اصبحت عادة يمارسها الجميع ، إن كان عليكم ان توقفوا سرقة الصواميل ، عليكم بتعليم النشئ منذ الصغر بما تريدون إنه يفعل حين يكبر ، حتى وان كبر ، ووجد العدل والعمل والراتب المناسب لن يفكر يومًا في سرقة الصواميل .
المحقق : سوف اكتب هذا في تقريري ، ولنرى ماذا يفعل الحاكم!؟.
أغلق المحقق الملف ، وركب القطار عائدا للعاصمة ، وهو ينظر للشباك، ويقول: لنفسه اتمنى أن نأخذ القرار سريعا ً، فالأمر خطير، هؤلاء البؤساء ، من الممكن أن يتسببوا في كارثة.
عندها لمح المحقق طفلًا صغيرا ً يقف على حافة شريط القطار ، يقف ضاحكًا ويحمل في يده صامولتين ، لينتفض المحقق فزعا ، ويصرخ : أوقفوا القطار أوقفوا القطار . لكن لقد فات الأوان ، وصرخ الجميع علي صوت الاصطدام . وانقلب القطار . لقد فك الطفل الصغير دون أن يدري صامولتين متجاورتين . لقد فعل مثل الاخرين ، لكنه لم يكن يعلم خطورة ما يفعل ، لقد وُلد هذا الطفل فقيرا ً ولم يذهب للمدرسة ، ولم يحضر دروس الفيزياء .
طفل صغير يعاني الفقر والجهل، تربّى في قرية تسرق الصواميل، تسبب في إنقلاب القطار .
ترى هل فعلا فات الميعاد ؟؟؟!!!
|
|
|
|
|
|
|
|
|